...موقع أخبارى...بيجيب فى سيرة الناس؟؟

الجمعة، 11 أكتوبر 2013

خيارات انصار الشرعيه فى مصر...


 مخطئ من يعتقد أن غالبية الشعب المصري شاركت في ثورة 25 يناير أو أيدتها، والصواب أن بضعة ملايين شاركوا في هذه الثورة، والبقية كانوا جالسين في بيوتهم منقسمين إلى مؤيد لها ومعارض لها ومراقب متردد ينتظر مع من تميل موازين القوى. إن الذي يؤكد هذه الحقيقة نتائج الانتخابات الرئاسية التي جرت بين مرشح الثورة محمد مرسي ومرشح الفلول أحمد شفيق، فهذه النتائج كانت متقاربة إلى حد كبير. إن الذي جعل ثورة 25 يناير تنجح هو اتحاد جل القوى الفاعلة في مصر، وحياد المؤسسة العسكرية أول الأمر، ثم انقلابها على مبارك بعد ذلك، ويضاف إلى ذلك عامل المفاجأة الذي أربك مبارك وزبانيته.

إن ما يزيد عن نصف الكتلة الناخبة في مصر مستقيلة سياسيا، فليس لها أي شأن بالسياسة من حيث التظاهر الميداني أو التصويت الانتخابي، وهذه الكتلة تعرف بحزب الكنبة. والنصف الآخر منقسم إلى ثلاث فئات؛ فئة تقف مع الإسلاميين وقوفا مبدئيا، وفئة تقف مع العلمانيين وقوفا مبدئيا، وفئة ثالثة تعيش أزمة هوية، ولذلك فهي فئة رجراجة تتأثر بالإعلام كثيرا وتقف مع من تظن أنه سيخدمها أفضل، بغض النظر عن مرجعيته الإيديولوجية، وهذه الفئة هي الأكبر عدديا، لذلك يمكن اعتبارها كتلة حرجة.

2- في 30 يونيو، كانت شعبية الإخوان في أسوأ أحوالها، ولن أنسى دموع خالد عبد الله في قناة الناس وهو يرى الفارق الكبير بين عدد المتظاهرين في ميدان التحرير وعدد المتظاهرين في رابعة العدوية. الصدمة عمت جل شعوب الدول العربية، فلا أحد كان يتوقع أن يقع الذي وقع، وسر الصدمة أننا كنا نتابع مظاهرات جبهة الإنقاذ وكنا نلحظ بوضوح محدوديتها عدديا. لا أنكر أن عدد الذين تظاهروا في ميدان التحرير لا يصل إلى مليون متظاهر، فهذا ما تؤكده الحسابات الهندسية، لكنني لا أنكر أن عدد متظاهري رابعة حينها لم يصل ربع مليون نسمة، وهذا كاف لكي يدل فعلا على التراجع الكبير لشعبية الإخوان في30  يونيو. إذن ما هي عوامل تراجع هذه الشعبية؟

في الواقع، هذا التراجع يعود لعاملين اثنين رئيسيين؛ أولهما ميداني، والثاني إعلامي. يتمثل العامل الميداني في إخفاق حكومة هشام قنديل في تحقيق الحد الأدنى لما كانت تبشر به ثورة 25 يناير من عدالة اجتماعية وتنمية اقتصادية وطمأنينة أمنية، والحق أن هذا الإخفاق لا يعود إلى ضعف كفاءة هشام قنديل ومن كان معه من وزراء، وإنما إلى ممانعة الدولة العميقة (الموازية)، لكن هذا لا يعفي محمد مرسي وجماعة الإخوان من تطويع هذه الممانعة، فهو في نهاية المطاف رئيس ذو صلاحيات دستورية واسعة. أما العامل الإعلامي فيتمثل في الهجمة الإعلامية الشرسة التي قادتها قنوات وصحف رجال أعمال مبارك بفعالية كبرى، في مقابل ضعف أداء القنوات والصحف الإسلامية. وإذا أردنا إصابة كبد الحقيقة، فلنا أن نقول بأن ممانعة الدولة العميقة قائمة على ممانعة المؤسسة العسكرية، وعليه يمكن القول بأن أعظم إنجازات مرسي هي إقالته لطنطاوي وعنان، وأسوأ أخطائه تعيينه للسيسي وصدقي صبحي بدلا منهما.

ورغم ذلك كله، ما كان ليقع انقلاب 3 يوليو لو أن جبهة الإنقاذ لم تتحالف مع العسكر، فهي وإن كانت ضعيفة عدديا، فهي التي مهدت لهذا الانقلاب وأضفت عليه شيئا من الشرعية المستمدة من مشاركتها في ثورة 25 يناير. والذي دفع جبهة الإنقاذ لأن تتحالف مع الفلول بقيادة الجيش هو الإصرار الاستعجالي لجماعة الإخوان على الاستحواذ على مقاليد الأمور كافة، وبالرغم أن ذلك كان يتم بوسائل ديموقراطية لا غبار عليها، فإن ذلك من الناحية الاستراتيجية لا يصح في المراحل الانتقالية. بصراحة، كنا نتمى أن يكون الرئيس مرسي حازما في مواطن الحزم، ولينا في مواطن اللين، لكنه للأسف لم يكن كذلك، بل لم يكن جيدا حتى من الناحية التواصلية. إن مرسي يصلح لأن يكون رئيسا جيدا في الأحوال العادية، لكنه لا يصلح لأن يكون رئيسا يحسن ملاعبة الذئاب الغادرة.

3- الوعي الجمعي للانقلابيين في مصر يرى أن ثورة 25 يناير غلطة من أغلاط التاريخ ما كان ينبغي أن تقع، ويرى أن 30 يونيو أعادت القوى الفاعلة إلى أوضاعها الأصلية. لقد علمهم الأستاذ الجزار بشار الأسد درسا ناجعا في وأد تطلع الأشراف إلى الحرية السياسية والعدالة الاجتماعية، وخلاصة هذا الدرس تتمثل في اعتماد القمع الأمني والتضليل الإعلامي وسيلتين فعالتين لمنع الثوار من الاعتصام في الميادين الكبرى وتنظيم المسيرات الجماهيرية، مع تركيز اعتماد ذلك في العاصمة. وفي الحقيقة، هذا ما يقع فعلا، حيث تم اعتقال القيادات والعناصر النشطة، وأغلقت القنوات الإسلامية وطرد الأئمة الموالون للشرعية، وجرى بوحشية بالغة فض اعتصامي النهضة ورابعة، ويجري بحزم بالغ منع الثوار من دخول ميدان التحرير. ومن جهة أخرى يعامل بقسوة كل فرد ينشق عن الانقلابيين، مهما تكن منزلته السياسية أو العسكرية، وهذا ما حدث فعلا مع محمد البرادعي وسامي عنان.

إن معطيات الواقع توهم الانقلابيين أنهم متحكمون في مقاليد الأمور، فهم يرون أن معهم مؤسسات الدولة المختلفة من جيش وشرطة وقضاء وإعلام وغير ذلك، ومعهم أيضا قطاع هام من الشعب المصري يدين بالولاء لقوى معنوية تقف في صفهم، والأمر يتعلق ببابا الكنيسة وشيخ الأزهر والأحزاب العلمانية، وقطاع عريض من الدعوة السلفية والطرق الصوفية. ومن الناحية الخارجية، يكفيهم أن تدعمهم إسرائيل ودول الخليج وسائر الأنظمة القمعية في العالم.

انطلاقا من المقدمات الثلاث السالفة الذكر، يمكن تحديد خيارات أنصار الشرعية كما يلي:

1- خيار تجرع السم: طرحه المفكر فهمي هويدي، وهو يعني ببساطة قبول خارطة الطريق التي وضعها السيسي في مقابل إطلاق سراح معتقلي أنصار الشرعية، وإلا فإن الذي سيضيع في نهاية المطاف هو مصر بأسرها. وهذا الخيار على وجاهته لا يضمن الثمن الذي سيعطيه الانقلابيون لأنصار الشرعية، فهم يرجون اجتثاثهم لو أمكن ذلك، ومن هنا جاءت فكرة حظر الأحزاب الدينية، وشبح تكرار تجربة جمال عبد الناصر سنة 1954 لا زال ماثلا في الأذهان. ولنقل جدلا بأن تجرع السم سيكون مقابل إطلاق سراح المعتقلين، ولكن يسمح للانقلابيين بإعادة نظام مبارك بوجود جديدة تضع خطا أحمر دون حصول الإسلاميين على أغلبية في المناسبات الانتخابية المختلفة، ففي هذه الحالة ألن يضيع الاستبداديون الفاسدون مصر لعقود طويلة؟

2- خيار مواصلة النضال السلمي: تأتي أهمية هذا الخيار في كونه يضعف الاقتصاد ويدفع الانقلابيين لكشف وجوههم الحقيقية، وبالتالي يؤدي داخليا إلى زيادة شعبية أنصار الشرعية في مقابل تآكل شعبية الانقلابيين، ويؤدي خارجيا إلى عزل الانقلابيين. وفي الواقع، نجزم بأن شعبية أنصار الشرعية زادت إلى حد ما بفعل هذا النضال السلمي، وخاصة بعد مجزرة رابعة والنهضة، ومن الممكن أن تزداد هذه الشعبية بصورة أكبر نسبيا خلال الأشهر القادمة. وفي هذا الإطار يرى السياسي القبطي رفيق حبيب نائب حزب الحرية والعدالة أن الاستفتاء على دستور لجنة الخمسين سيكون مناسبة جيدة لهزيمة الانقلابيين سياسيا، وحينها إما أن يكون الاستفتاء نزيها أو يكون مزورا، وفي حالة التزوير يتم تم رفع وتيرة النضال السلمي إلى درجة الثورة التقليدية.

3- خيار المواجهة المسلحة: إذا أصر الانقلابيون على اعتماد القمع الأمني خيارا وحيدا في التعاطي مع مطالب أنصار الشرعية وأنشطتهم الاحتجاجية، وإذا عملوا على تزوير الاستفتاء على دستور لجنة الخمسين، فإن براميل الكراهية الشديدة في النفوس بين أنصار المشروع الإسلامي وأنصار المشروع العلماني يمكن أن تنفجر بقوة هائلة. نعلم أن الجيش المصري جيش قوي، ونعلم أن أمريكا وإسرائيل ودول الخليج مستعدة لدعمه في مواجهة ما يسمى بالإرهاب، لكن حتى لو انتصر هذا الجيش على أي ثورة مسلحة، فإن هذا الانتصار لن يتأتى إلا بعد خراب مصر وموت عشرات الآلاف من الأبرياء، وحينها سيكون هذا الانتصار شكليا فحسب. إن تنظيم القاعدة حاضر بقوة في الدول المجاورة لمصر (ليبيا، الجزائر، السودان، الصومال، سوريا، العراق،)، وهو يراقب الوضع فيها عن كثب، وحينما سيتأكد من تمكن الإحباط من نفوس شباب أنصار الشرعية، سيقوم بتجنيدهم إلى صفوفه وتحويلهم إلى قنابل رهيبة تنفجر في كل مكان، وهذا ما حذر منه البرادعي قبيل فض اعتصامي رابعة والنهضة.

مشكلتنا نحن العرب في بنيتنا الذهنية، وهي مشكلة تضرب جذورها الثقافية عميقا في تاريخنا السياسي، فالذي يوجه عقول وقلوب بالدرجة الأولى هم رجال الدين، وهؤلاء طال كثيرا منهم الفساد فصاروا مجرد أبواق مأجورة للفاسدين والمستبدين، والمخلصون منهم يقعون في تناقض غريب، فهم من جهة يدعون إلى الحرية السياسية والعدالة الاجتماعية، لكنهم في الآن نفسه يرجون لثقافة دينية استبدادية تلتمس العذر لمن طغى من آبائنا الأولين. ومن هنا فالذي أراه هو التأكيد على خيار النضال السلمي دون استعجال الثمار،

فالمعركة بالدرجة الأولى معركة وعي سياسي، فإذا تأتى لأنصار الشرعي كسب هذه المعركة كما وكيفا فإنهم في نهاية المطاف سيستردون حقوقهم المهضومة وفق تصورهم الحالي أو وفق تصور جديد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق